«جرائم القتل أحداث فردية ودور تنمية الوعي تقليصها».. تقرير
«الحياة العشوائية تخلق خلل نفسي أو سلوك إجرامي أو انتحار»

كتبت – حنان عاطف:
شهدت مصر مؤخرا، حوادث قتل، من أشهرها: “واقعة الإعلامية شيماء جمال، وطالبة المنصورة، وكاهن الإسكندرية، وسفاح الإسماعيلية”، وينظر البعض لجرائم القتل على أنها ظاهرة، وينتشر بينهم الخوف والفزع من المجتمع، ويقولون لا نجد أمنا ولا أمانا، خاصة الفتيات والسيدات، وفي الواقع، هي أحداث فردية، كونها سلوكا إنسانيا وليس مجتمعيا، يوجد في أي مجتمع، منذ قابيل وهابيل، عندما قتل الأخ أخاه.
والجرائم لن تختفي ولكن دور تنمية الوعي تقليصها، وتعددت أسبابها من: “سوء التربية، والخلل النفسي، والحياة العشوائية، والفن، والثقافة، والغزو الفكري، والتشريعات الموضوعة”، والأمر يحتاج وقفة من: ‘الجهاز الإعلامي، ومؤسسات الدولة الرسمية والأهلية، والجانب المشرع”، هذا ما أكده عدد من الخبراء النفسيين والتربويين، والثقافيين، والإعلاميين، والصحفيين، والقانونين، خلال حديثهم مع “المنتدى” في التقرير التالي..
في البداية قالت الدكتورة سارة خليل، الاستشاري النفسي، إن السبب الأساسي هو الاضطراب النفسي، والأمر متعلق أيضا بأساليب التربية والتعرض لاضطرابات معينة في مرحلة المراهقة لم تتم متابعتها، موضحة: “غالبا مرتكبو الجرائم يكون لديهم مشاكل في طفولتهم أو بمرحلة المراهقة ولم يجدوا رعاية نفسية كافية من البداية”.
ورأت أنه لا يوجد أحد سوي نفسيا، يضيع مستقبله مهما كان تعرض لضغط كبير، فالموضوع نفسي بحت وفيه خلل نفسي مضيفة: “حتى لو افترضنا أنه سوي نفسيا ومر بالتجربة هذه في لحظة خلل نفسي أيضا لا تصل لمرحلة القتل أو الذبح او الانتحار إذا فالموضوع تراكمي، فهو عنده مشاكل من قبل في مراحل متقدمة من عمره، وظهرت في ذلك التصرف.
وأوصت بالرعاية النفسية من مرحلة الطفولة والمراهقة، ومعرفة حقوقنا وواجبتنا وكيفية حماية نفسيتنا والدفاع عنها قائلة: “تظهر بعض المشاكل والاضطرابات غالبا في مرحلة المراهقة، حتى لو كان الإنسان سويا نفسيا، فعلينا نحن الأهل أن نحتوي ونعرف أن نعالج هذه المشاكل، التي إن لم تُعالج في تلك المرحلة يكبر الطفل بعيوبه”.
وأرجع الدكتور طه نجم، أستاذ ورئيس قسم الإعلام في جامعة الإسكندرية، سبب الجرائم، والخلل في القيم الاجتماعية إلى الأفلام والمسلسلات التي تنشر أفكارا تدعو إلى الرذيلة والعنف والبلطجة، ليعيدها بعض الشباب على أرض الواقع مضيفا: “فلنكن واقعيين.. هذا ما نراه بشكل كبير وواضح، فالإعلام له دور فعال ولكنه للأسف الشديد سلبي”.
ووجه رسالة للمسئولين عن الإنتاج الإعلامي، قائلا: “لا تفرح بإيرادات الأفلام، إذا كنت تهدم المجتمع، فالعملية لا تحسب هكذا، وإنما يجب أن تفكر في الرسالة التي تكون وراء كل إنتاج”، لافتا: “بدلا من أن تبرز الأعمال الفنية القيم الجميلة، وروح التسامح، والحب، والإخاء، والتعامل الراقي بين الناس، للأسف يبرر بعضها الجرائم، موضحا: “مثلما يأتي في فيلم شخص فقير ظُلم ويبررون له تعاطيه للمخدرات ويجعلونه بطلا”.
وأردف أن الأمر يحتاج وقفة من جانب القائمين على الإنتاج الإعلامي، وكل المؤسسات التربوية من: “المدرسة، والمسجد، والكنيسة، بجانب الأسرة”، والاتحاد لمواجهة أي خطر، وضرورة وعي المجتمع وانتقاؤه لما يشاهده.
وأردف عماد العادلي، المستشار الثقافي، والباحث في الفلسفة الإسلامية، قائلا: “الجريمة موجودة على مر الزمان أيام قابيل وهابيل عندما كان الاخ يقتل أخاه، وأيام ريا وسكينة وسفاح كرموز، والفرق هنا أنها أصبحت أكثر ظهورا الآن، مشيرا إلى واقعة طالبة المنصورة أن سبب تعاطف العالم مع الحدث أنها وصلت إليه وانتشرت”.
وأضاف: “لي رأي ربما لا يروق للبعض، وهو أنني لست من أنصار فكرة الزمن الجميل، وهي فكرة نوستلجيا مثالية لا أساس لها من الصحة”، ورفض فكرة أن الفن هو سبب الجرائم قائلا: “الفن ابن بيئته وليس العكس، فهو لا يصنع البيئة وإنما يأخذ منها، فنحن نقول الفن الهابط في الاغاني والمهرجانات، ولكن هي لم تظهر إلا عندما أصبح المزاج العام متجها إليها، وبهذا طفت على السطح، إذا لا استطيع أن أقول إن الفن هو السبب، أو إن نسبة الجريمة زادت، أو مثلما يتجرأ بعض الناس ويقولون إن المجتمع يتحلل ويتفسخ أخلاقيا وأننا بعدنا عن ربنا، فالأمر ليس له علاقة بهذا”.
وتابع وإنما تتعلق الجرائم بتنمية الوعي المجتمعي، قائلا: “وهو في الاساس مسئولية مؤسسات الدولة، سواء كانت رسمية أو حتى أهلية، فضروري أن نفهم الناس ماذا يعني احترام المرأة، وقبول الآخر واحترام رأيه ومعتقده ومعتنقه بشكل حقيقي، لافتا أن الجيل الجديد يحتاج إلى أن نخاطبه ونوجهه بقيمه ومفاهيمه وعلى قدر عقله، متفقا مع مقولة: “ربوا أولادكم لزمان غير زمانكم”، موضحا: “فاختلاف الأجيال يتطلب اختلاف شكل التربية، وأن كل جيل ابن بيئته وزمنه، لا ينبغي أن تفرض عليه بيئتك وزمنك أنت ظنا انك تعلمه الصواب، ليكون نسخة منك وهذا غير مطلوب ولن يحدث حتى لو ادعي انه سمع الكلام، فتجده في أقرب فرصة تسمح له بالتمرد سيتمرد.
وأشار إلى أن الوباء “كوفيد19” غير كثيرا من سلوكياتنا والتعامل فيما بيننا، كونه كارثة كونية، موضحا: “حيث غير بعض العادات الاجتماعية التي كانت لصيقة بالإنسان لا سيما المصريين تحديدا، مثلا في السلام والقبلات والأحضان، فهذه المظاهر اختفت أثناء ذروة الوباء، كما غيرت علاقات الناس بعضها ببعض اجتماعيا، ونفسيا؛ فلم تعد تركيبتهم النفسية مثل الأول”.
واختتم: “الخلاصة ورأيي الشخصي أن الجريمة لم تزد ولم تنقص، وأنها توجد في أي مجتمع، ففي أمريكا دائما وبدون سبب تجد مراهقين يشترون سلاحا ويضربون 30 أو40 تلميذا بدون أي ذنب، وكذلك حالات الانتحار في الدول الأكثر ثراء مثل الاسكندنافية، وشمال أوربا، أو كندا، أو اليابان التي هي دولة متقدمة وغنية”، موجها رسالة للمجتمع المصري قائلا: “كفاية جلد ذات نحن شعب مثل أي شعب لدينا ناس جيدة، وأخرى لا، ودور الذي تربى أنه يساهم في تربية الآخرين”.
وأكد: “وبالطبع الدور الفردي لن يؤتي ثمارا، فيجب على المؤسسات أن تتحرك، لتنمية الوعي، والإعلامي ينبغي أن يكون ذلك هو هدفه الرئيس ذلك، وينتبه أن يقدم منتجا الناس تتفاعل معه، ولا تهجره لأنه غير صادق، وفي ذات الوقت يتكلم بلسانها ولغتها، لافتا: “أرى عناوين في بعض الجرائد، من جاء له قلب يكتبها، يعلق على مشنقة في ميدان عام، مع كامل احترامي لحرية الرأي، ولكنه سفيه يعلم الناس السفاهة”، متابعا: “أيضا أن تنتبه المؤسسات التعليمة وتبعد عن الحفظ والتلقين الذي لن يُخرج مبدعا أبدا، وأن نتعامل مع التاريخ بحس نقدي، مختتما: “الجريمة موجودة، لكن دور تنمية الوعي أن تقلصها، وهي بالمناسبة لن تنتهي أو تختفي”.
وفي ذات السياق، أوضح الدكتور تامر ناجي الموافي، المدرب المعتمد من الاتحاد العربي للتدريب التربوي، قائلا: “كل شخص لديه مشكلة يخزنها داخله ويظل يضغط في نفسه، ليخرج هذا الضغط عن طريق انفعالي، فإذا كان مرتبطا بالدين أو بالأسرة، يخرج في صورة أمراض جسدية أو نفسية، لكن إذا لم يكن في بيئة محيطة نظيفة، يخرج على شكل جريمة، أو انتحار”، لافتا: “وغالبا قبلها، يكون أذى نفسه أوعمل حادثة، فالتراكم يحدث شرخا نفسيا، ويزيل الغلاف النفسي، وبمجرد أن ينظر شخص له نظرة عادية، يفكر أنه يستهزئ به، معللا: “وذلك لأنه عنده طاقة مكتومة، ويريد أن يفرغها، في بيئته المحيطة”.
وأضاف: “عندما لا توجد مشاعر مستترة عند الشخص، يكون لديه وعي واستجابة، والمشاعر تولد سلوكا وإذا تولد بشكل خطأ، يصل للمخ ويخرج من الإنسان على شكل خطأ، متابعا الأسباب قائلا: “أيضا الظروف المحيطة المادية تجد من يلقي اللوم على الدولة، ولكني أقول له.. لا أرمي العيب عليك، ادخر حاول تبحث عن مصدر رزق أكبر، يوجد عمل جسماني مهلك، أمواله قليلة، وهناك عمل عقلاني مربح ولكنه يتطلب أن تطور من مهاراتك”.
وأردف: “الحل أن يكون كل فرد في محيطه مؤثرا، في جيرانه، وأسرته، ومعارفه، ومن ثم الناس ستبدأ تلجأ له لتفرغ عنده الطاقة، فكل منا في مجاله ومكانه إنسان بمعناه، وعكس كلمة إنسان الحرفي واللغوي هو وحشي أي ليس لديه علاقات طيبة، ضعيف الإرادة والسلطة، لايستطيع التغلب على مشاكله، متسلط اللسان، مضيفا: “أيضا أرى أن الإعلام عندنا مشكلته كثقافة، عندما يبث شحنات سلبية بشكل دائم، عن غلاء الأسعار، وحروب ويقول إننا في آخر العالم” مقترحا عمل برامج تنموية تصويرية تتناول مشاكل واقعية حاصلة مع أبنائنا وتمثيلها لنرى كيف سيتعامل الأب والأم معها، وبالصوت والصورة لتكون مؤثرة.
وتطرق إلى أن هناك مفهوم للأفضلية خطأ، وهو أننا نريد أن نكون أفضل من غيرنا، رغم أن كل شخص له ما يناسبه؛ فربما يكون لديه مقومات وصفات ليست عندنا، قائلا: “الصح أنني أريد أن أكون أفضل من نفسي أمس، فالله خلقنا مختلفين لنعمر الكون ولنفيد بعضنا ونُكون صورة متكاملة”، لافتا أن من جوانب الحياة الهدوء النفسي، والاستقرار الأسري، والعلاقات التي تحقق الأمان، والمال والرفاهية، والارتباط بالله، والجانب الوظيفي وتطوير الذات.
ونوه: “إذا اختلت إحدى هذه الجوانب، تنتج المشكلات لأن جميعها مؤثرة في بعضها”، مرجعا الجرائم المشهورة لعوامل نفسية من: “إهانة ذاتية، وعدم تطوير الذات، أو إدراك أن كل ما في حياتنا قابل للاستغناء، وأن التغيير سنة كونية وإذا لم نتغير سنكون سلالم للآخرين في أحلامهم وطموحاتهم”، مردفا: “والحياة العشوائية تخلق فوضى نفسية، تُحدث مشاكل نفسية وإحباط، يُخلق اكتئاب يسبب وحدة، تخلق شيطان داخلي، يبدأ يخرج في هيئة خلل نفسي أو سلوك إجرامي أو انتحار”.
وتابع: “ولذلك نرى ناس تكون متزنة وفجأة نجدها تقوم بجريمة بشعة، وهذا لأنها وصلت لمرحلة من الإجهاد النفسي، فلم يكن لديها هدف في حياتها، أو كانت تميل للمثالية التي تؤدي إلى انحراف نفسي، لافتا كل ما ينطبق على الكون كمنطق، ينطبق على البشر بالتبعية، لأنهم يعيشون فيه، قائلا: “تريد أن تعرف شيئا في حياتك، افعل أمرا واحدا، خذ القانون أو تأمل الكون كيف يسير، وقس ذلك على نفسك في كل جوانب حياتك”.
وحذر: “لو نمت ولم يكن لك هدف للغد، اعلم أنك ستتخبط في يومك، ونفسيتك ومزاجك وشكلك وملابسك، لن تكون راضيا عنهم”، مردفا: “أكبر مشاكل الحياة عندنا هي التعلق أي أن أبني كل سعادتي وحياتي على شخص واحد، ولو افتقدته أو رفضني، فأنا افتقدت حياتي وانتهيت”.
وأكد أحمد الزغبي، صحفي الحوادث، أن الجرائم سواء القتل أو الذبح هي أحداث فردية وليست بالظاهرة الجديدة، مضيفا أن من دوافع ارتكاب جرائم القتل الخوف من التعرف على مرتكبيها وكشفهم، لافتا أن غالبا الجاني إذا كان منحرفا، أي سُجن كثيرا، فإنه لا يُصيب في مناطق قاتلة، لأنه يعلم القوانين والعقوبة جيدا، مضيفا: “عكس الغشيم الذي ممكن يكون أول مرة يمسك سكينا ويذبح شخصا”، مشيرا إلى أن الذبح ليس شرطا أن يكون الجاني قاصدا فعله بالذات، فممكن اثنان دخلا مشاجرة ومعهما سلاح وتأتي الضربة في الرقبة، فتكون إما جرح قطعي لا يؤدي إلى قتل أو تكون نافذة قاتلة، وهنا الدفعة اللحظية هي التي تكون مسيطرة عليه.
ومن جهته بين اللواء الدكتور أسامة عصمت الشناوي، مساعد وزير الداخلية السابق ومحاضر بأكاديمية الشرطة، وعضو المجلس القومي للمرأة، وسائل العلاج واضعا علامات استفهام قائلا: “أولهم المشرع.. هل واضع عقوبات رادعة للقتل.. هل الإجراءات لضبط الجريمة ومنع وقوعها كافية.. هل يوجد نقطة شرطة حصينة في الأماكن التي بها تجمعات ومن ثم تمنع وقوع الجريمة.. هل الكاميرات الإلكترونية في الشوارع ستكون مصدر خوف وتردع أي أحد يريد أن يرتكب جريمة، هل محاضر عدم التعرض هي التي ستحميك؟.
وتابع: “نحن لدينا قصور في الجانب الأخلاقي والتربوي والسلوكي والمجتمعي، وهذا له العديد من العلاجات؛ أولها جهاز إعلامي جيد يتكلم عن الجرائم وأثارها ونتائجها وعقوباتها، ووجود خطاب ديني في جميع مراحل نشأة الإنسان منذ كان طفلا وإلى أن يبلغ الحُلم، ودور مراكز الشباب واستيعابها هذه الفئة، ومتابعة قصور الثقافة فيما تنشره من وعي ثقافي، فهل الثقافة والفن الذي يؤدى ينشر الفضيلة أم هي عبارة عن غزو فكري”.
وأكد: “ودائما نقول أخطر أنواع الغزو ليس العسكري وإنما الفكري، وهو له قنوات أولها حركات التغريب القادمة من الغرب أو المستشرقين الذين يأتون تحت مظلة دراسة الدين واللغة، ويبثون عندنا أفكارا سيئة مثل: “البنطال المقطعة، والتاتو، وعبدة الشيطان، والشواذ.. وغيرها” ومؤخرا العولمة وهي أن يكون عندنا قناعة ان الدين حبيس الجسد فقط”.
وأضاف: “وعن الجانب المشرع، فينبغي أن يتفاعل مع الجريمة ويعدل من التشريعات الموجودة، فمثلا لا نجد شخصا قتل بسكينة ونقول هذه مشاجرة”، موضحا أن الإعدام ليس لجرائم القتل فقط وإنما لجرائم تهريب الأثار أيضا، وجلب المخدرات والجريمة التي تمس الأمن الوطني والقومي، وجرائم الإرهاب.
وعن القتل العمد مع سبق الإصرار قال: “هو القتل المصمم عليه، ومعناه أن الجاني اشترى السلاح وأخفاه بين طيات ملابسه وتحين الفرصة ليقتل، أي عقد العزم والنية على القتل، وهو ما نعتبره قاتل من أخطر أنواع الإنسان فهذا يدل على أنه سلوك إنساني لايستقيم أن يبقى على وجه الأرض مع بني الإنسان لأنه تحول لقاتل، وهو كأنه قتل الناس جميعا”، مشيرا إلى واقعة طالبة المنصورة قائلا: “وهذه الجريمة أصفها بأن فيها ظرفا مشددا وهو سبق الإصرار والترصد مجتمعين معا، قتل عمد مشدد، وعقوبتها الإعدام، وعن الترصد فهو يعبر عن سلوك إجرامي دفين”.