بروفايل… البابا شنودة الثالث «أثير الأذهان»

كتبت – ميلينا علاء:
ولد باسم، نظير جيد روفائيل، في قرية السلام، محافظة أسيوط، 3 أغسطس 1923 من أبوين مسيحيين أرثوذكسين، كان الابن الأصغر بين 7 أشقاء “5 فتيات وولدين”، أصيبت والدته بحمى النفاس، وتوفيت بعد ولادته بيومين فقط، حتى قبل إرضاعه، وتولت شقيقته ووالده بعدها رعايته، لكنه لم يفارقه الشعور بالحرمان واليتم.
اجتاز “جيد” مراحله التعليمية الأولى في مدينة دمنهور، والإسكندرية، وأسيوط، وبنها متنقلاً مع شقيقه الأكبر “روفائيل” بحسب تنقلات عمله، كان يتميز بكتابة الشعر الضاحك، حيث بدأت تجربته الشعرية عندما كان عمره 14 عام ولكنه ثقلها بدراسة أوزان الشعر وتفاعيله وبحوره عام 1939 حيث كان يبلغ الـ17 عامًا من عمره وفي نفس العام أيضاً بدأ خدمته في مدارس التربية الكنسية، وكتب نشيداً وطنياً لعمال مصر أنشدوه في عيدهم عام 1940.
اتخذ “جيد” الشعر عنده مجالاً دينياً في عام 1946 فكتب قصائد عديدة منها: آدم وحواء، وماذا بعد هذا، وهمسة حب، ومن ألحان باراباس، وكانت الفترة من 1946 وحتى 1962 هي أكثر الفترات إنتاجاً لشعره.
درس “جيد” التاريخ في جامعة فؤاد الأول”جامعة القاهرة حالياً” في كلية الآداب قسم التاريخ وفي السنة الرابعة التحق بالكلية الإكليريكية، كما التحق بكلية الضباط الاحتياط، وروى في فيلم وثائقي عن حياته عنوانه “همسات حب” قائلاً: “هكذا كنت أدرس بالكليات الـ3 في عام واحد” وقال أيضاً أن للكلية الحربية أثر بالغ في تعلمه الانضباط في حياته.
وفي عام 1947 حصل على ليسانس الآداب وتخرج أيضاً من كلية الضباط الاحتياط وكان أول الخريجين، كما أنه كان الأول في الترتيب عندما تخرج من الكلية الإكليريكية وقام بالتدريس فيها السنة التالية.
بدأ “جيد” نشر مقالاته في مجلة الحق خلال الفترة من أكتوبر 1947 وحتى نوفمبر 1948 وقد نشر بها 7 مقالات، وكتب قصته الأولى “حدث في تلك الليلة” ونشرت في مجلة مدارس الأحد في مايو 1948 وفي ذات العام نشرت المجلة أيضًا بعضًا من فصول باكورة كتبه “انطلاق الروح” وتولى رئاسة تحرير المجلة في أكتوبر 1949 وحتى رهبنته.
وترهب “جيد” بدير السيدة العذراء “السريان” في وادي النطرون باسم الراهب أنطونيوس السرياني 18 يوليو 1954، وبدأ حياة الوحدة بعد رهبنته بسنتين وأقام بمغارة غربي دير السريان بحوالي 3.5 كيلو مترًأ، وعام 1958 سيم قسًا وكان سبب قبوله الكهنوت هو حاجة الدير وقتئذ إلى أب اعتراف للرهبان الجدد.
وبعد شهر واحد من جلوس البابا كيرلس السادس على الكرسي المرقسي يونيو 1959 اختاره ليكون سكرتيرًا له وفي سبتمبر من نفس العام عاد إلى الدير مرة أخرى لاشتياقه لحياة الوحدة، ولكن هذه المرة انتقل إلى مغارة أكثر بعدًا عن الدير إذ تبعد حوالي 12 كم من جنوب الدير، وتطل على البحر الفارغ.
تمت سيامة الراهب “السرياني” أسقفًا عامًا للتعليم والكلية الإكليريكية والمعاهد الدينية باسم الأنبا شنودة في 30 ديسمبر 1962 ليصبح أول أسقف للتعليم، وفي عام 1965 أصدر أول عدد من مجلة الكرازة والتي ظل يرأس تحريرها لمدة 47 عام، وفي العام ذاته كتب قصته الثانية “أبونا أنسطاسي” ونشرها في مجلة الكرازة.
ثم توالت كتاباته التي بلغت حوالي 150 كتاباً ونبذة في مختلف المجالات والتي تميزت بسهولة التعبير وعمق المعنى ونقاء التعليم والمبادئ الروحية السامية، وأصبح أيضًا عضوًا في نقابة الصحفيين عام 1966 وظل يحتفظ بهذه العضوية طوال حياته، اختير أيضًا أول رئيس لرابطة المعاهد اللاهوتية بالشرق الأوسط عام 1969.
وقد احتفلت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في 31 أكتوبر 1971 باختيار الأنبا شنودة ليكون بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية وتم تجليسه رسميًا في 14 نوفمبر من نفس العام باسم البابا شنودة الثالث البابا رقم 117 وهو رابع أسقف أو مطران يصبح بطريركًا، ونال جائزة أفضل واعظ ومعلم للدين المسيحي التي قدمتها مؤسسة “براوننج” الأمريكية لعام 1978 من أجل جهوده الواضحة في نشر رسالة الإنجيل.
وقرر الرئيس الراحل محمد أنور السادات في سبتمبر 1981 إلغاء القرار الجمهوري بالموافقة على انتخاب البابا شنودة الثالث بطريركًا وتم عزله وتعيين لجنة خماسية لإدارة الكنيسة وتحددت إقامته بدير الأنبا بيشوي في وادي النطرون، بسبب رفض البابا زيارة الأقباط للقدس بتأشيرة دخول إسرائيلية.
وقال “البابا” أن ذلك “السفر بمثابة مشاركة فعلية للاحتلال الإسرائيلي وتوقيع على اتفاقية لسفك المزيد من الدماء ضد الفلسطينيين وأنه لا يمكن أن يقبل أن يكون للأقباط دورًا في هذا التطبيع ولن يذهب الأقباط إلا مع إخوانهم المسلمين.
وبعد حادث المنصة ورحيل السادات، وتولي حسني مبارك الحكم أفرج عن البابا وأنهى فترة تحديد إقامته، حيث استلم في 29 أكتوبر 2011 جائزة “اجوسبورج” الألمانية للسلام والتي تقدر قيمتها المالية بـ12 ألف و500 يورو وهي جائزة تمنح كل 3 سنوات للشخصيات التي تعمل من أجل التسامح والسلام بين الثقافات والأديان.
ويرجع اختيارهم البابا لعدة أسباب منها: أنه من أهم بطاركة العالم كما هو حال بابا روما، وأن له دور كمشيد الجسور بين الطوائف المسيحية وبين المسلمين، حيث قرر التبرع بهذه الجائزة لمستشفى سرطان الأطفال “57357”.
واهتم “البابا” بخدمة المرأة، والأسرة، والطفل في كل مكان ذهب إليه كما اهتم بخدمة المرضى والذين ليس لهم أحد يذكرهم، والمعاقين، والمسنين، وذوي الاحتياجات الخاصة، وفي كل هذا كان يقول: “ننشد الحب في كل زمان.. وفي كل مكان وفي كل قلب.. نحن نحب الذي يحبنا، والذي يكرهنا أيضًا.. وثقوا أن المحبة لابد أن تنتصر… فالمحبة لا تسقط أبدًا.
وشعر الكثيرون في عيد الميلاد 7 يناير 2012 بأنهم قد لا يرون البطريرك رقم 117 في تاريخ الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، ثانية بالجسد، فكانت تحية الوداع الأخير وكانت عظة الأربعاء 7 مارس 2012 هي العظة الأخيرة، ثم انطلقت روحه وتنيح يوم السبت 17 مارس 2012 عن عمر يناهز 88 عام و7 أشهر، وقد استمرت رحلته 43 عامًا منذ توليه البطريركية وحتى وفاته.